فصل: مهلك أبي طاهر بن حمدان واستيلاء بني عقيل على الموصل.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خبر باد الكردي ومقتله على الموصل.

كان من الأكراد الحميدية بنواحي الموصل ومن رؤسائهم رجل يعرف بباد وقيل باد لقب له وأسمه أبو عبد الله الحسين بن ذوشتك وقيل باد أسمه وكنيته أبو شجاع ابن ذوشتك وإنما أبو عبد الله الحسين أخوه وكان له بأس وشدة وكان يخيف السابلة ويبذل ما تجمع له من النهب في عشائره فكثرت جموعه ثم سار إلى مدينة أرمينية فملك مدينة أرجيش ثم رجع إلى ديار بكر فما ملك عضد الدولة الموصل حضر عنده في جملة الوفود وخافه على نفسه فعدا وأبعد في مذهبه وبلغ عضد الدولة أمره فطلبه فلم يظفر به ولما هلك عضد الدولة سار باد إلى ديار بكر فملك آمد وميافارقين ثم ملك نصيبين فجهز صمصام الدولة العساكر إليه مع الحاجب أبي القاسم سعيد ابن محمد فلقيه على خابور الحسينية من بلاد كواشي فانهزم الحاجب وعساكره وقتل كثير من الديلم ولحق الحاجب سعيد بالموصل وباد في اتباعه وثارت عامة الموصل بالحاجب لسوء سيرته فأخرجوه ودخل باد الموصل سنة ثلاث وسبعين وقوي أمره وسما إلى طلب بغداد وأهم صمصام الدولة أمره ونظر مع وزيره ابن سعدان في توجيه العساكر إليه وأنفذ كبير القواد زياد بن شهرا كونه فتجهز لحربه وبالغوا في مدده وإزاحة علله فلقيهم في صفر سنة أربع وسبعين وانهزم باد وقتل كثير من أصحابه وأسر آخرون وطيف بهم في بغداد واستولى الديلم على الموصل وأرسل زياد القائد عسكرا إلى نصيبين فاختلفوا على مقدمهم كتب ابن سعدان وزير صمصام الدولة إلى أبي المعالي بن حمدان صاحب حلب يومئذ بولاية ديار بكر وإدخالها في عمله فسير إليه أبو المعالي عسكره إلى ديار بكر فلم يكن لهم طاقة بأصحاب باد فحاصروا ميافارقين أياما ورجعوا إلى حلب وبعث سعد الحاجب من يتولى غدر باد فدخل عليه رجل في خيمته وضربه بالسيف على ساقه يظنها رأسه فنجا من الهلكة ثم بعث باد إلى زياد القائد وسعد الحاجب بالموصل بطلب الصلح فأتمروا بينهم على أن تكون ديار بكر لباد والنصف من طور عبدين فخلصت ديار بكر لباد من يومئذ وانحدر زياد القائد إلى بغداد وأقام سعد الحاجب بالموصل إلى أن توفي سنة سبع وسبعين فطمع باد في الموصل وبعث إليها شرف الدولة بن بويه أبا نصر خواشاده في العساكر فزحف إليه باد وتأخر المدد عن أبي نصر فبعث عن العرب من بني عقيل وبني نمير لمدافعة باد وأقطعهم البلاد واستولى باد على طور عبدين آخر الجبال ولم يضجر وأرسل أخاه في عسكر لقتال العرب فقتل وانهزم عسكره وأقام باد قبالة خواشاده حتى جاء الخبر بموت شرف الدولة بن بويه فزحف خواشاده إلى الموصل وقامت العرب بالصحراء وباد بالجبال.

.عود بني حمدان إلى الموصل ومقتل باد.

كان أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسن إبنا ناصر الدولة بن حمدان قد لحقا بعد مهلك أخيهما أبي ثعلب بالعراق وكانا ببغداد واستقرا في خدمة شرف الدولة بن عضد الدولة فلما تولى شرف الدولة وخواشاده في الموصل بعثهما إليها ثم إنكر ذلك عليه أصحابه فكتب إلى خواشاده عامل الموصل فمنعهما فكتب إليهما بالرجوع عنه فلم يجيبا وأغذا السير إلى الموصل حتى نزلا بظاهرها وثار أهل الموصل بالديلم والأتراك الذين عندهم وخرجوا إلى بني حمدان وزحف الديلم لقتالهم فانهزموا وقتل منهم خلق وامتنع باقيهم بدار الإمارة ومن معه على الأمان إلى بغداد وملكوا الموصل وتسايل إليهم العرب من كل ناحية وأراد أهل الموصل استلحامهم فمنعهم بنو حمدان وأخرجوا خواشاده وبلغ الخبر إلى باد وهو بديار بكر بملك الموصل وجمع فاجتمع إليه الأكراد البثنوية أصحاب قلعة فسك وكان جمعهم كثيرا واستمال أهل الموصل بكتبه فأجابه بعضهم فسار ونزل على الموصل وبعث أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمدان إلى أبي عبد الله محمد بن المسيب أمير بنى عقيل يستنصرانه وشرط عليهما جزيرة ابن عمر ونصيبين فقبلا شرطه وسار أبو عبد الله صريخا وأقام أخوه أبو طاهر بالموصل وباد يحاصره وزحف أبو الراود في قومه مع أبي عبد الله بن حمدان وعبروا دجلة عند بدر وجاؤا إلى باد من خلفه وخرج أبو طاهر والحمدانية من أمامه والتحم القتال ونكب بباد فرسه فوقع طريحا ولم يطق الركوب وجهض العدو عنه أصحابه فتركوه فقتله بعض العرب وحمل رأسه إلى بني حمدان ورجعوا ظافرين إلى الموصل وذلك سنة ثمانين وثلاثمائة.

.مهلك أبي طاهر بن حمدان واستيلاء بني عقيل على الموصل.

لما هلك باد طمع أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمدان في استرجاع ديار بكر وكان أبو علي بن مروان الكردي وهو ابن أخت باد قد خلص من المعركة ولحق كيفا وبه أهل باد وماله وهو من أمنع المعاقل فتزوج امرأة خاله واستولى على ماله وعلى الحصن وسار في ديار بكر فملك ما كان لخاله فيها تليدا وبينما هو يحاصر ميافارقين زحف إليه أبو طاهر وأبو عبد الله إبنا حمدان يحاربانه فهزمهما وأسر عبد الله منهما ثم أطلقه ولحق بأخيه أبي طاهر وهو يحاصر آمد فزحفا لقتال ابن مروان فهزمهما وأسر أبا عبد الله ثانية إلى أن شفع فيه خليفة مصر فأطلقه واستعمله الخليفة على حلب إلى أن هلك وأما أبو طاهر فلحق بنصيبين في فل من أصحابه وبها أبو الدرداء محمد ابن المسيب أمير بني عقيل وسار إلى الموصل فملكها وأعمالها وبعث إلى بهاء الدولة أن ينفذ إليه عاملا من قبله فبعث إليها قائدا كان تصرفه عن أبي الدرداء ولم يكن له من الأمر شيء إلى أن استبد أبو الدرداء واستغنى عن العامل وانقرض ملك بنى حمدان من الموصل والبقاء لله.